سراب سبورت
مجلة رياضية

وداعا أيتها الروح الطيبة… بقلم : أكثم حرب

 

 

في مثل هذا الوقت بالضبط ، وقبل أسبوع بالتمام والكمال رحل أبي . صورة وجهه وهو ينظر نظرات ذاهلة ، بينما يحاول إبعاد قناع الأكسجين بحركات بطيئة وضعيفة جدا ، وبكلتا يديه ، وبتقلصات ساقه اليسرى بين الفينة والأخرى ، صورة لن يمحيها الزمن ، ولن تُنسنيها الحادثات على اختلافها .

عندما كنت أسأله : هل أنت متعب ؟ كان يُجيب بالنفي بهز رأسه يمنة ويسرة . ذاك ديدنه طيلة حياته ، كان ينكر تعبه وإرهاقه ومرضه كي لا يقلقنا ، ولم ينس عادته تلك حتى وهو في سكرات الموت . الإجابة اللاهبة الحارقة ، والتي زلزلتني من أعماقي ، كانت بهز رأسه بالموافقة ، عندما سألته : “حاب تروِّح عالبيت” ؟ لا أعلم عندما هز رأسه موافقا ، عن سبب شعوري برغبة عارمة بخلع الأجهزة كلها رغما عن الأطباء والممرضين ، وأن أحمله على أكتافي ، وأركض به إلى المنزل ركضا .

الغرفة الكئيبة ، والتي يسمونها العناية الحثيثة ، وشاشة عرض المعلومات ، والتي قضيت أمامها ساعات طويلة ، وأنا أمني النفس بارتفاع الضغط بعد هبوطه إلى مستوى الخطورة ، وارتفاع نسبة الأكسجين بعد أن بدأ يلم حقائبه ، وباستقرار النبض بعد أن أهوى وارتفع مرارا وتكرارا .

ذلك الصوت الصارخ المندهش ، والذي انبعث من غرفة مجاورة ، وكان صاحبه يصرخ : لا يابا ، مشان الله يابا !! كانت صرخة شاب فقد والده للتو ، ووجدتني أسأل نفسي فجأة : هل سأصرخ مثله بعد قليل ؟ يا رباه ، هل أنا في حلم ؟

وحانت لحظة الوداع القاسية . الثانية والنصف بعد ظهر الجمعة . النبض ينخفض إلى أدنى درجة ، والضغط يهوي ، والأكسجين يرتفع ولكن بعد فوات الأوان . يحرك أبي رأسه للمرة الأخيرة ، وينفخ نفخة خفيفة ، وكأنه يطفئ شمعة ، وتصعد الروح إلى بارئها .

الظلام الشديد الذي أحاط بي ، والخيالات المسرعة التي تتابعت أمام ناظريّ . الشاب الذي مشى بسرير أبي إلى ثلاجة الموتى ، و”بطانية” بيضاء مكتوب عليها وزارة الصحة ، تغطي الجسد الذي طالما آواني وكفكف دموعي ودافع عني .

لا أعلم كيف انخرطت بنوبة بكاء هستيري أمام الجميع ، كطفل أخذوا لعبته عنوة . حاول الجميع تهدئتي ، حتى كادر المستشفى نفسه . كنت أتبع سرير أبي كالمجنون ، وكأنه طريق نجاة وحيد من حريق أو زلزال . وحين وصل السرير إلى غرفةالثلاجة ، انقضضت عليه ، وكشفت عن وجهه الذي أنهكته السنون ، وأتعبته الأمراض . كان ما يزال يحدق إلى الفراغ ، كما كان في غرفة العناية الحثيثة ، قبلت جبينه القبلة الأخيرة ، وازدادت نوبة بكائي ونحيبي . أخرجوني رغما عني من هناك ، وأنا لا حول لي ولا قوة . كان السؤال يلح علي طوال الطريق : هل هذا حلم أم حقيقة ؟ لم أصدق أبدا . أبي الذي صحبته إلى المستشفى عشرات المرات ، وفي كل مرة يعود معنا إلى المنزل سالما غانما . كيف سأتركه هذه المرة وأعود دونه ، بل وفي ثلاجة الموتى ؟ يا الله ، ما أقسى الموت ، وما أصعب الفراق !

في ذاكرة شقيقاتي وأشقائي ، وكلهم يكبرونني كوني “آخر العنقود” ، أخبروني أن أبي هو من عاد إلى المنزل يحملني بعد ولادتي . المشهد يتكرر الآن ، ولكن على العكس تماما . أنا من يحمل أبي ، وهذه المرة إلى المقبرة ! ما أصعبها والله ، وما أقساها !

هكذا يا أبي ، صندوق صغير من الطوب والإسمنت ، يختزل سبعة مائة عام . الأهوال العظام ، والتحديات الجسام ، ملاعبتك لأطفالك وحرصك عليهم ، ابتسامتك التي لم تكن تفارق ثغرك ، عكازتك السوداء المركونة وحدها في زاوية غرفتك ، “الفروة” التي كنت تتقي بها برد الشتاء ، ونسائم الصيف المنعشة أحيانا . كوب الماء البلاستيكي الذي كان يطيب لك أن تشرب منه ، وكأس الشاي الذي تركته ولن يمسه بعدك أحد . مكانك على السرير ، و”ركَّايتك” التي كنت ترتكي عليها . الأشجار التي زرعتها بيديك ، المكان بين حوض النباتات والشجرة الكبيرة أمام البيت ، والذي اعتدت أن تضع فيه كرسي “البلاستيك” وتجلس هناك . كل شيء يذكرني بك ، فكيف لي أن أنساك ؟

والدي ، والذي منذ وعيت على الحياة ، لم تمتد يده لتضربني قط . كان أقصى ما يمكن أن يعبر فيه عن غضبه ، ان يرمقني بنظرة عتاب ، وسرعان ما أقبل يده فيبتسم ابتسامته المعهودة . اليد ذاتها ، التي كانت تحاول إبعاد قناع الأكسجين في لحظات حياته الأخيرة .

كونٌ مظلم ، وشعور بالوحدة ، وفراغ هائل . هذه حياتي الآن ، ولا أعلم إلى متى .

وداعا أبي ، وداعا نبراسي ودليلي ومرشدي . وداعا أيتها الروح الطيبة الطاهرة . السلام عليك يا أبي الحبيب، وأعدك بأنني لن أنساك ما حييت .

اقرأ ايضاً
أخبار عاجلة
"لا يمكن للفيفا أن يواصل غض الطرف عن إبادة الرياضة الفلسطينية" الأمير فيصل بن الحسين يتابع منافسات رالي الأردن ‏الدولي تأهل رباعي المنتخب الوطني لكرة الطاولة إلى أدوار خروج المغلوب من التصفية الأولمبية سباق الجري احتفالاً بعيد الإستقلال واليوبيل الفضي وعيد ميلاد الأميرة هيا بنت الحسين...لرابطة اللاعبي... بطولة العالم لألعاب القوى كوبي 2024 : روعة تونس تتوج بطلة للعالم في دفع الجلة الاتحاد يطلق الهوية البصرية.. ويكشف عن الشعار الجديد للمنتخبات الوطنية الأمير فيصل بن الحسين يرعى حفل افتتاح مقر الاتحاد الأردني للرياضات الإلكترونية المنسي مشرفا على دورة التدريب الدولية بالعراق مراحل رالي الأردن جاهزة لاستقبال التحدي الكبير بين السائقين على ‏اللقب ‏ أكاديمية عالية العساف للفروسية تنظم الحدث الأول من نوعه"عرض ترويض الخيول" أبو السعود وحبيب يتأهلان إلى نهائي بطولة آسيا للجمباز منتخبنا الوطني لكرة الطاولة يفتتح يوم غد مشاركته في التصفية الأولمبية 147 فارسة وفارسة يشاركون في الجولة الأولى من الدوري الأردني لرياضة القفز عن الحواجز لعام 2024 الحسين والفيصلي لا يفارقان الانتصارات.. وصراع الهبوط يزداد اشتعالا العصرية تتوج بلقب بطولة الكرة الطائرة "المرحلة الأساسية العليا للإناث" الاميرتان آية وسارة الفيصل تتابعان مسابقة النشاط البيئي الأثري الثاني … “راهبات الوردية الشميساني ” ... الاتحاد الدولي لالعاب القوى يصنف زيد العواملة بالمركز الاول (اردنياً) الإسباني مونزو مدربا لطائرة مصر في الأولمبياد السلط يزيد أوجاع الأهلي الفيصلي يحبط سحاب في الوقت القاتل اتحاد الجولف يثني على أداء لاعبيه ويثمن دور "أيلة" والشركاء والداعمين في نجاح بطولة الأردن المفتوحة نجم ريال مدريد سابقاً سالغادو يزور الأردن رالي الأردن ينبض بالحياة في البحر الميت الخميس أول مرة في تاريخ التنس التونسي .. تونس حاضرة بثلاث أسماء بارزة بغراند سلام رولان غاروس تونس تستضيف البطولة العربية للرماية التي تنطلق غدا بجهة بني خلاد بمشاركة 128 لاعبا ولاعبة وزارة التربية واتحاد القدم والاتحاد المدرسي ينظمون بطولة كرة القدم الثانية في المدارس احتفالا باليوبيل الفضي، مديرية الاتصال الشبابي تنظم جلسة حوارية حول انجازات جلالة الملك في قطاع ال... الحسين يواصل انتصاراته ويتخطى مغير السرحان نادي التنس الاردني يضع تعليمات بطولة الاستقلال العاشرة للتنس إغلاق باب التسجيل للجولة الأولى من الدوري الأردني لرياضة القفز عن الحواجز لعام 2024..الخميس