كافة الحقوق محفوظة © 2021.
حكاية عنب بقلم : د. منتهى الطراونة
لم تكن حكاية العنب عندي ؛ سوى تلك الأمنية الكبيرة آنذاك ؛ أن يكون في بيتنا دالية (شجرة عنب) ؛ وكلما أحضر والدي عنبًا مغطى بأغصان مورقة ؛ أعمد إلى تعليقها ، مع بعض القطوف على جدار في حوشنا القديم ؛ ينسج خيالي حولها قصصًا ، وحكايات ، وأُجري حوارات مع الأوراق ، والثمار أيامًا إلى أن تجفّ ، وتسقط من تلقاء نفسها ، أو بفعل واحدة من شقيقاتي ؛ في حركة متعمدة كي تغيظني .
ولم تكن سوى طبق شهيّ ؛ أعدته أمي ، أو شقيقتي الكبرى في عملية طويلة مضنية ؛ كي نلتهمه في دقائق .
لا أدري لماذا هربت اليوم إليها في ذلك الركن من حديقتي ؛ ربما لأن ضجيج العالم ارتفعت وتيرته ؛ بأشكال ، وألوان غير مسبوقة ، أو ربما لخلل في شخصيتي ، عندما أشعر بالاغتراب ، ولا أحسن التكيف مع كل ما ، ومَن حولي ، وربما لا شيء مما ذكر .
المهم ؛ أنني قررت قطف بعض الأوراق من أجل التخزين ، في طقس سنوي تعتمده كل البيوت ؛ ولأنني من اللواتي لا يأبهن بالكثير من تفاصيل العمر ، والصحة ، واحتمال السقوط ، تسللت إليها ، دون أن يشعر أحد ؛ تناديني بعض أوراقها الغضة اللامعة القريبة من يدي ، ويسهل قطافها ، وابتعدت عني أخرى واحتمت بالغصن ؛ وكأنها وشوشته بأن ؛ ارتفِع كي لا تصل يدها إليّ ، أما تلك الخشنة الهرمة ؛ فظلت مكانها واثقة أنني لا أريدها ، وغاب عنها أنني لن أتركها ، وما عليّ سوى زيادة مدة طهيها قليلًا .
أما تلك اللئيمة ، التي لم تسمح لي بقطفها ، إلا بعد أن أسقطت حبات الحصرم ؛ التي ظنّت أنها تحميها ، لكنها أسلمتها بقانون ؛ (عليّ وعلى أعدائي) ؛ الساري بين البشر في زمننا هذا ، فعليها مني ما تستحق .
أكثر ما أوجعني ؛ تلك التي ما إن وصلت ليدي ؛ حتى انكسر الغصن الذي يحملها كاملًا ؛ وأعتقد أن المسؤولية تقع عليّ ، في حركة تشبثت فيها به كي لا أسقط أنا ، وكنت أنانية لا أحب غير ذاتي !
أتممت المهمة ، وتمت عملية الأسر بنجاح ، وستسجن ريثما يأتي موعد إعدامها ؛ بعضها سيقدَّم صادقًا ، محشوًّا بالأرز ، واللحم ، والليّة ، يقول ؛ إنني سيدة تقليدية ؛ لا تعبأ بحمية ، أو مقاييس ، وبعضها سيأتي كاذبًا محشوًّا ببعض الأرز ، والكثير من الخضار ، وزيت الزيتون ، ودبس الرمان من غير لحمة ؛ (يلنجي) ؛ يقول ؛ إنني سيدة بدأت بالتكيف مع الكذب ، والكاذبين ، وبدأت تراهم ؛ جزءًا لا يتجزأ من المشاهد كلها ؛ لكنها ما زالت تؤمن ؛ أن عرائش الدوالي الممتدة جذورها في الأرض ؛ ستبقى بعيدة عن أيدي العابثين ؛ وعن كل من تسوّل له نفسه بالاقتراب والأذى ، وسيبقى الكرم عاليًا…