كافة الحقوق محفوظة © 2021.
نعناع… بقلم : د. منتهى الطراونة
منذ أن زرعت أمي شتلة نعناع في علبة (سمنة الغزال) الفارغة بعد أن ثقبتها من الأسفل، وملأتُها أنا بتراب أرض زراعية بعيدة عن بيتنا، عدت أحملها بصعوبة، لأن آثار (السمنة) لم تختف منها، فكلما أمسكت بها انفلتت من بين يدي الصغيرتين، منذ ذلك الوقت وأنا أحب النعناع، وأحب أن أضيف أوراقه إلى كأس من الشاي (الإنجليزي) غير المضغوط بميداليات، لا تعرف من محتواها غير اللون، وأحب أن أضيفه إلى كل السلَطات، وإلى عصير الليمون، وإلى بعض الأكلات، وأن أرش الماء على أوراقه لترسل ذلك العطر الرقيق المنعش.
منذ الصباح؛ وأنا مشغولة بزراعة حوض منه، أضعه على الشرفة بعيدًا عن فضول القطط، وتدخلاتها غير المرغوبة على أرض الحديقة.
منذ الصباح؛ وأنا أستعرض منجزات (كبيرة كبيرة) للكثيرين عبر هذا الفضاء، لا أحب الدخول في تفاصيلها فهي لا تعنيني، ويكفي أنها أشبعت رغبات أصحابها بالظهور، والاستعراض، وأقول لنفسي؛ لا بأس وأنا أيضًا أنجزت، يكفي أنه إنجاز حقيقي، ليس مسروقًا، ولا مطلوبًا (بتذلل) من س، أو ص. ويكفيني أنني أدندن بيني وبين نفسي؛ هذا النعناع نعنعنا، وليس نعنعهم، ويكفي أنني حققت حلمًا بسيطًا من أحلام طفولتي، رسمته في خيالي، حين كنت أراقب أصابع يد أمي الجميلة، وهي تزرع تلك الشتلات، وعينيها الصافيتين مثل لون العسل، وهي تحتضن انعكاس لون الوريقات الخضراء؛ فيُحدِث هذا الانعكاس مزجًا ليس له وصف يليق بتلك العينين!
ويكفي أن كل الإنجازات في نظري تضاءلت في لحظة حقيقة واحدة هي؛ أنني لا أؤمن بالمظاهر، والبروتوكولات، والفذلكات، والاستعراضات، وادعاء الثقافة، والسياسة، ونقد الدين، والمعتقَد، وشراء الألقاب، والشهادات، والولاءات، وتسلق المنصات، وفرض نفسي على الناس، وارتداء الأقنعة!
ويا اللي بتحب النعناع (هاظا) النعناع نعنعنا، و(هاظا)؛ كلمة من لهجتي الكركية التي أحبها، وأعتزّ بها، ولم أغيّرها في كل المحافل، والدول، والأماكن التي تواجدت فيها، تعني (هذا)، وليس لها علاقة ب (هاد)، التي ترددها بعض من تراجعت لديهن اللهجة؛ فخلطن بينها وبين الكثير من اللهجات على غير هدى، لتنتج مسخًا ليس معروفًا له أي وصف.
و(هاظا) ما لديّ هذا اليوم العامر بالحب والسلام.