كافة الحقوق محفوظة © 2021.
قتل إنجاز … بقلم : د. منتهى الطراونة
لم تكد أمي تتم إعداد مربى التين الذي تعبت وعانت في تحضيره بمساعدة جارتنا، في ظروف شح الإمكانيات، وصعوبة الحياة، فلا التين الجيد في متناول اليد، والحصول عليه آنذاك يحتاج وقتًا وجهدًا، إذ يحرص والدي على انتقاء تين (الحِزمان تحديدًا)، فليس مثل جودته، ولذة مذاقه حتى يومنا هذا، على تعدد الأصناف والأشكال!
وليس مطبخ البيت بأدواته البسيطة، يساعد على سهولة العمل، وتخفيف المعاناة!
لم تكد تتم العملية، وتنتظر تلك الكمية الكبيرة أن تبرد؛ لتقوم بوضعها في (مرتبانات)
زجاجية اسطوانية الشكل، ثم ترتبها في (النملية) ذات الرفوف الكبيرة، وفي الرف الأسفل منها؛ انتظارًا لموسم الشتاء مع بقية ما أعدّت من أصناف مونة البيت، وفي غفلة منها، وهي تنهي أعمالًا أخرى جعلتها تغادر الغرفة المخصصة للطبخ، حتى حضر ابن أختي (هيثم الحفيد الأول المدلل) مع حجارته التي كان يلعب بها أمام البيت، وما إن رأى (المرتبانات)، التي على ما يبدو لفتت نظره حتى بدأ يصوّب عليها حجارته واحدًا تلو آخر، ويضحك معبرًا عن فرحته بنجاح مهمته، وهو يسمع صوت الارتطام، ويرى المربى يسيل من كل زاوية مع الزجاج المطحون الذي عمّ وشمل كل الأماكن؛ ليلتصق بكل ذرة، مما يجعل عملية إنقاذ أي شيء مستحيلة!
كنت يومها صغيرة أراقب الموقف، لم أجرؤ على التدخل، (على الرغم من عشقي لهذا النوع من المربى، وانتظاري الطويل لانتهاء العملية)؛ لأنني واثقة أنني لن أستطيع؛ فهو القويّ صاحب الحظوة!
وكل ما فعلته أنني انتظرت ردّة فعل أمي وأبي على الموضوع، لكن الردّ كان صادمًا!
اكتفت أمي بعملية التنظيف، واكتفى والدي بوعدها بإحضار تين جديد!
توارى هيثم عن الأنظار لنصف يوم، ثم عاد وكأن شيئًا لم يكن!
منذ ذلك اليوم، وأنا أعي تمامًا كيف يمكن للناس أن يفسدوا، ويصادروا، ما تعبت في إنجازه، وهدرت طاقتك، وأعصابك، ووقتك، وصحتك، وكل تفاصيلك من أجل الحفاظ عليه في لحظة، من غير وازع من ضمير، أو أخلاق، أو مخافة الله، ولو استطاعوا لنزعوا كل من في قلبك، وأدخلوهم قلوبهم عنوة !