كافة الحقوق محفوظة © 2021.
كرة القدم السعودية … الى أين ؟ … بقلم : منير حرب
المتابع لما يجري من صفقات كروية مدوية أن السعودية تسعى من خلالها إلى جعل الدوري السعودي لكرة القدم واحدا من أقوى دوريات العالم، بل الأقوى عالمياً خلال السنوات القليلة القادمة، حينما ينتقل معظم نجوم كرة القدم العالميين إلى صفوف الدوري السعودي كما تطمح ..
من الخطأ الفادح الاستهانة بالمزايا المتعددة لكرة القدم، إذ هي ليست مجالاً رياضيا بغرض التسلية فحسب، بل لها مردودات استراتيجية متعددة. فأندية السعودية – وبدعم من الدولة – لن تنفق مليارات الدولارات على صفقات لاعبين عالميين، لمجرد التسلية والإمتاع فحسب، وإن كان لا عيب في ذلك، ومن ضمن أغراض المملكة الاستراتيجية في ضوء موجة الانفتاح الاجتماعي والثقافي الذي تشهده ..
بل لدى المملكة مخططات استراتيجية ذكية تكمن وراء هذا الطموح الكروي الواسع. بدأ أو يسير اهتمام المملكة بكرة القدم مع دخول المملكة إلى حقبة جديدة تحمل ملامح وأهدافا استراتيجية داخلية وخارجية جديدة تماما وطموحة للغاية.
وهي متعددة، لكن يظل أبرزها أربعة: خطط تنويع النشاط الاقتصادي للمملكة والاستغناء تدريجيا عن النفط كمصدر رئيسي لدخل المملكة، العمل على زيادة استقلالية القرار السعودي وتنويع شراكات المملكة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، توسيع مجالات الانفتاح وتعزيز القوة الناعمة للمملكة، وأخيراً تعزيز قوة المملكة خارجياً سياسيا واقتصاديا، من أجل الارتقاء بقوة المملكة إلى مصاف القوى المتوسطة في عالم متعدد الأقطاب.
وتساهم خطط المملكة الكروية الطموحة مساهمة قوية في تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية. فكرة القدم تعد صناعة ضخمة للغاية تدرّ مليارات الدولارات على أصحابها، وذلك من قبيل أرباح صفقات اللاعبين، وحقوق الرعاية، وأرباح المشاهدات، والسياحة الرياضية.. وغيرها، فضلا عن توفير فرص عمل كبيرة، مما يساهم في تحقيق هدف التنوع الاقتصادي للمملكة.
وكرة القدم أيضا تعدّ مكونا رئيسيا من مكونات توسيع أفق الانفتاح والحريات في المجتمع، وإضافة مذهلة للقوة الناعمة للدول. فعبر الاهتمام بكرة القدم يتبدد التشدد والتعصب خاصة بين الشباب، كما تنشئ ثقافة التعدد واحترام الآخر، وتتسع ثقافة الروح الرياضية والاهتمام بالرياضة. ومع ترسيخ خطط المملكة الكروية، ستتزايد بالتوازي قوة المملكة الناعمة في العالم، حيث ستصبح مصدر جذب عالمي واسع، ومزارا لجميع السائحين من الجنسيات كافة، يزيل عن المملكة ومجتمعها الصورة الخاطئة العالقة عنها كالتطرف والانغلاق وغيرهما. فضلا عن المردود الاقتصادي الهائل من قبيل السياحة وجذب الاستثمارات.
ومن زاوية أخرى، يمثل تركيز المملكة على كرة القدم إضافة قوية لتعزيز استقلالها السياسي وتنويع وترسيخ شراكاتها الاستراتيجية الخارجية. فكرة القدم سلعة استراتيجية عالمية شديدة التنافسية، ومن يستأثر بها سيمتلك قوة ووزنا جيوسياسيا استراتيجيا واسعا، يستطيع من خلاله زيادة مساحة استقلاله السياسي والمناورة خارجيا، وتعزيز وتوسيع شراكاته الاستراتيجية. إذ بفضل الثروة الهائلة التي تمتلكها المملكة لن تتمكن فقط من جلب نجوم كرة القدم العالميين، بل ستتمكن أيضا من المنافسة على تنظيم أكبر المحافل الرياضية العالمية، وتنتزع تلك المحافل من يد محتكريها الكبار، مما سيؤدي بالقطع إلى توسيع استقلالية القرار السعودي، والتأثير والنفوذ على الكبار، الذين سيتهافتون إلى تعزيز شراكاتهم الاستراتيجية مع المملكة.
وأخيراً، يمكن القول إن جميع ما سبق، يخدم كرة القدم هدف المملكة الاستراتيجي الأعظم، وهو تحويل المملكة إلى قوة متوسطة منافسة أسوة بالبرازيل والهند- على سبيل المثال- في ظل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب في طور الترسيخ بعد الحرب الأوكرانية.
وتتوافر لدى المملكة في الوقت الراهن جميع المعايير المؤهلة لنيل مكانة القوة المتوسطة الصاعدة في النظام الدولي، بل تتفوق على الكثير من الدول التي نالت هذه المكانة. وستمثل خطط المملكة الطموحة الكروية إضافة قوية لإبراز مكانة المملكة الصاعدة في النظام الدولي بشكل أسرع وأكثر وضوحاً، لا سيما على صعيد تعزيز القوة الناعمة التي تفتقر إليها الكثير من الدول الصاعدة المنافسة. إذ إن توافر القوتين الصلبة والناعمة وتوظيفهما في خطط ذكية قد أصبح متطلبا رئيسيا للنجاح في النظام الدولي، وزيادة النفوذ والتأثير.
وواقع الأمر، قليل من الدول في النظام الدولي ممن تستأثر على القوتين وتوظفهما بكفاءة، إذ تقتصر القائمة تقريبا على القوى العظمى وبالتحديد الصين والولايات المتحدة.