كافة الحقوق محفوظة © 2021.
قهوة وحكايات… بقلم : د. منتهى الطراونة
لستِ سيدة الوقت، ولا رفيقة الشعراء، ولا سميرة المرهفين، ولا نديمة الساهرين، ولو كان فيك الخير لجعل الله لك حضورًا في الجنة، ولما فضّل عليك الكثير من الشراب!
يقولون: إذا تعالى عليك الشيء فأهنه بالتخلّي، لكنني اليوم لم أفعل، مثلي مثل كل من يَفجُر إن خاصم، لكنني لن أكفر …
لا تذهبوا بعيدًا، فمعركتي اليوم مع قهوتي، وليس غريبًا أن نخوض معارك خفيّة مع أنفسنا، وهواجسنا، وتوقعاتنا من الناس، ومواقفهم، وتقلّباتهم، وافتراءاتهم، وتدخلاتهم فيما لا يعنيهم، والكثير الكثير مما يُعلَم، ولا يُقال!
قهوتي التي يحدث دائمًا أن أنسى تفقّدها، وللمرة الألف أُفاجَأ في الصباح أنها نفدت، وأنني لن أتمكن من احتساء فنجان منها يكفيني شر صداع الاعتياد والإدمان، الذي نصنعه بأيدينا، ولم نكن مضطرين له، فأبدأ بنشر كل وسائل الدفاع والافتراء؛ بأنها ليست مهمة، ولا أثيرة، وبأن رأسي لن تدور دونها، ولن أفقد أعصابي، حتى لو لم يبدأ يومي بطقوسها!
قهوتي التي لم أكن أعرف مذاقها، لكنني كنت أراها في بيتنا منذ الطفولة، تقدّمها شقيقتي لضيفة أثيرة في فناجين مزخرفة ثمينة، وأكتفي أنا بشرب ما تبقّى في فنجانها بعد أن تغادر، في حركة تنمّ عن غباء مغلَّف بالبراءة، وكأنني أعلم بأنها ستكون من أقرب الأشياء، والأصدقاء في الهزيع الأخير من العمر؛ أسامرها، وأحكي لها الحكايا، وأبوح لها بالأسرار، وإن غضبتُ فجأة، وكثيرًا ما أفعل؛ ألقي بفنجانها مهما كان ثمينًا ليصطدم بأقرب حائط، أسمع تكسّر شظاياه، وأرى بعثرتها، وكل ما أحدثَت من فوضى وخراب، لن يقوم بتنظيفه، ولملمته سواي!
قهوتي التي إن لم أجدها، ولم تُتَح لي ممارسة طقوسها؛ أكذب في تجاهلها، وإظهار عدم تأثري بفقدها، وعدم اكتراثي بفقد توازني، وتأرجُح رأسي، ودورانها!
هل تذكرون معارك الصغار على لعبة ما انتُزِعت منهم قسرًا؟!
كان المهزوم يضع يديه وراء ظهره، ويستند على أقرب جدار مرددًا كذبته:
(أصلاً مو مهم)!