كافة الحقوق محفوظة © 2021.
رؤى خطاب…تكتب في الفخر والهوية
قبل أيامٍ عدة كنت قد شاهدت إحدى الاحتفالات المعتادة في شكلها، لكن ما لفت انتباهي هذه المرة تحديدًا وأخذني التفكير به، هو بعض السلوكيات المبالغ فيها بالاعتزاز بأشياء ليست من صنيعة الإنسان ولم يخترها بنفسه، وُلِد فوجد نفسه عليها، كيف له أن يعتبرها إنجازه الأكبر؟ هذا ما شغل تفكيري حَقًّا، إن ما أقوله بديهي ومعروف، ولكن عندما تكون في حضرة الموقف نفسه وتلمس حقيقته يكون تعجبك أكبر وتساؤلاتك أكثر.
إنني لا أتحدث عن مشاعر الفخر بكل تأكيد، إنها مشاعر نبيلة وَتُشْعِر الإنسان بالانتماء والهوية، لكن كلامي عن اعتقاد الإنسان بأن هذا الشيء هو معنى حياته، وهو أكثر شرفًا وتكريمًا من غيره لأنه يملكه، وهم أقل شأنًا منه، لقد كنت بحاجة إلى إجابات تشفي غليلي هذه المرة، كيف نُبَرمج على هذا الشكل وكيف نولد في ظل كل هذه اَلْمُسَلَّمَات دون أسئلة؟ إلى أن ظهر هذا الفيديو أمامي بمحض الصدفة، يوضح العالم فيه عن تجربةٍ أجراها، كيف أنه قام بالإغلاق على مجموعةٍ من الحشرات- كثيرة الحركة بطبيعتها- داخل علبة صغيرة لفترةٍ زمنية معينة، والمتوقع بالنسبة له (أما الصادم بالنسبة لنا) أنه عندما فتح العلبة بعد الوقت الذي مر، لم تتحرك الحشرات خارج الإطار الذي حبست فيه، ظلت حركتها مقتصرة على مكانه، لقد اعتادته وأصبح هو المكان الآمن الذي تخشى من تخطيه.
ذكرني هذا أيضًا بمشهد من الفيلم الأشهر the Shawshank Redemption عندما تناول قضية العجوز الذي قضى خمسين عامًا في السجن، بنى حياة كاملة في داخله، إن لحظة إطلاق سراحه كانت هي رعبه الأكبر، لم يكن يعرف ماذا سيفعل حينها، لأنه نسي أصلًا ماذا كان يفعل قبل كل هذا الوقت وما هو شكل الحياة في الخارج، أصبح بالنسبة له السجن هو المكان الآمن، مكانه، وعندما جاءت هذه اللحظة، حاول بشتى الطرق أن يعتاد على الحرية من جديد، ولكنه فشل وأصيب بالاكتئاب، إلى أن انتحر.
إن هذا تمامًا ما أحاول فهمه، الحشرات تعويدها كان مقتصرًا على الحركة فقط، أما نحن كبشر، مثل هذا العجوز، نعتاد على ما يفرض علينا نَفْسِيًّا وَسُلُوكِيًّا، نولد لنتوارث كل ما هو عند أبوينا والبيئة المحيطة بنا، من معتقدات وأصل وتصرفات وعادات، هذا كله ما يصقلنا بشكلٍ لا خيار لنا فيه، ونكبر ونحن ندافع عنه بكل كياننا دون أن نسأل أنفسنا سؤالٍ واحد، هل هذا نحن؟ لنا يدٌ فيه؟ وحتى لو عرفنا حقيقة الإجابة لا نحب أن نسمعها غالبًا، لأنها لا ترضي ضمائرنا، فالإنسان بطبعه يرفض كل جديد عليه، وكل ما هو على عكس ما اعتاد ونشأ في ظله طول سنيين حياته.
هذا كله جعلني أتوصل إلى أننا نظل بشكل خارج إرادتنا تحت حكم هذه العادات والقوانين مهما حاولنا التمرد عليها وبغض النظر عن إلى أي مدى لا تشبهنا، لأننا ببساطة جزء منها، الإنسان في أي بقعة على الأرض لا يستطيع التجرد منها بالكامل مهما فعل، هذه حقيقة الحياة، لكن المحزن والمثير للاستياء هو تجريم أي محاولة للتفكر بها وفرضها على الآخرين، والنظر إلى من يحاول أن يجعلها مرنة نظرة العاق والمخرب.
فقط المحاولة أن نعي على أن كل ما وجدته لا يجعلك أعلى منزلةً من غيرك، الفخر والهوية مهمين، لكن ما تفعله يداك، هو الذي يجعلك هكذا.